لماذا لا نتواجد نحن على القائمة؟!
إلى الآن لم أسمع عن وجود أي مشروع تقني ناشئ في المنطقة يملك فكرة ثورية أو قام بإبداع تقني في مجال ما..
كل المشاريع التي اِطلعت عليها كانت إنجازاتها في أن الفريق التقني قادر على تطبيق أمور برمجية بسيطة وبديهية تقنياً، لكنها مهملة جداً في سوقنا، مثل مشروع “Foodics” الذي قام فقط ببناء نظام “ERP” يحل نفس المشكلة التي حلها “Larry Ellison” من خلال شركة “Oracle”، التي أنشأت قواعد بيانات “Oracle” العظيمة التي وفرت حل لمشكلة إنشاء وسيلة آمنة لتخزين ونقل البيانات على الإنترنت بين عدة جهات مختلفة في نفس الوقت، دون حدوث أخطاء في عملية تبادل البيانات تؤدي لتسريب معلومات معينة أو ضياع بعض المعلومات أو وصولها للجهة الخطأ.
و أنا أركز على مشروع “Foodics” بسبب أن المجال الذي طور لأجله لا يستطيع أن يفهم ضرورياته و إمكانية وسهولة تطبيقه إلا المتخصص، بخلاف التطبيقات المشابهة لكريم و أوبر التي يعرف أهميتها وسهولة تقليدها كل من جربها او سمع بها، وهذا مما يصعب إقناع المستثمرين بأهمية الاستثمار فيه.
قواعد بيانات “Oracle”
أنظمة قواعد بيانات “Oracle" هي التي مكّنت كل الشركات والجهات الحكومية حول العالم من الانتقال من الورق، إلى إستخدام الإنترنت لتخزين وتداول بياناتها، وهي التي مكنت من ربط أقسام الشركات الموزعة حول العالم ببعضها بسهولة وسرعة كبيرة، على عكس الوسائل القديمة لتبادل البيانات.
استطاعت شركة “Oracle” بفضل هذا الإختراع العظيم أن تجعل أهم قواعد البيانات في العالم مخزنة على قواعد البيانات التي إخترعتها “Oracle”، فكل شيء في العالم الحديث -تقريباً- يستخدم نفس أنظمة قواعد بيانات “Oracle” لإدارة بياناته، وهو ما كان السبب في أن تتطور أعمال كل الشركات الضخمة في العالم وكانت “Oracle” من أهم معالم عصر الانترنت باختراعها العظيم هذا.
**جديرٌ بالذكر أن ”Larry Ellison” مؤسس “Oracle” لم يخترع أساس تقنية
الـ “Relational database” بنفسه او من خلال فريقه، بل أخذ تقنية إخترعتها “IBM” واهملتها، فأعاد تطويرها وأضاف عليها عدة إختراعات ثم قام بتسويقها بنجاح باهر، واعدّها بشكل مناسب وسهل الإستخدام فصارت شركته من أضخم الشركات في العالم خلال فترة قصيرة.
فريق “Foodics” قام فقط بفهم المشكلة الكبيرة الحاصلة في المطاعم، والتي تستخدم تطبيقات توصيل الأطعمة -مثل “Carriage”- لإستلام الطلبات وتوصيلها، و عرفوا كيف يحددوا جميع المشاكل مثل:
1-كل مطعم يتعامل مع أكثر من تطبيق توصيل ويجب أن يكون لكل تطبيق جهاز خاص يمكن للمطعم أن يستلم منه الطلبات.
2-التطبيقات غير مرتبطة مع النظام المحاسبي للمطعم، و استخراج الحسابات من التطبيقات المتعددة وإدخالها للنظام عمل معقد ويأخذ الكثير من الوقت.
3-متابعة الطلبات الواصلة والمتعطلة والملغية من عدة أجهزة أمر معقد أيضاً.
4-تحديث قائمة المطعم في عدة أجهزة أمر صعب ويأخذ الكثير من الوقت، ولا يمكن للمطاعم الصغيرة أن تقوم بهذا بسهولة.
وكان الحل الذي قدمه مشروع “Foodics”:
إنشاء واجهة واحدة يمكن من خلالها استلام جميع الطلبات من كل تطبيقات توصيل الأطعمة في جهاز “iPad” واحد فقط، ويمكن من خلاله متابعة الطلبات والحسابات وتحديث قوائم الطعام، وأيضاً الإستغناء عن إستئجار نظام حسابات للشركة، فالتطبيق سيقوم بكل ذلك عوضاً عنهم، وبالتالي صارت أجهزتهم منتشرة في كل مطعم!
إذا ما الإبداع الذي قام به فريق “Foodics”؟!
في الحقيقة كل شيء قاموا به كان عادياً جداً، فإنشاء الـ “API” وإنشاء نظام “ERP” لإدارة العمل أمر عادي وبسيط ويستطيع أي فريق تقني -فاهم- أن يعمله، وكل شخص يعرف التقنية و زار مطعماً و رأى خمس جوالات لإستلام الطلبات، يضحك ويسأل نفسه لماذا هذه الشركات التي تربح الملايين لم يجدوا حلاً لهذه المشكلة السخيفة؟!
لكن الشيء المميز والرائع الذي قام بعمله فريق “Foodics” هو أنهم قرروا أن يحلوا المشكلة بأنفسهم ولم يقولوا أن هناك شركات كبيرة ستأتي وتحلها عوضاً عنا، وهذه الروح هي أروع وأهم شيء في الشركات الناشئة.
وأنا أرى أن مشروع “Foodics” يستطيع الآن أن يقلب البساط على كل شركات توصيل الأطعمة الكبيرة ويأخذ سوقهم ببساطة، وذلك إذا ما قام بإنشاء تطبيقه الخاص للتوصيل وجعله ينزل بتحديث جديد على كل أجهزته التي اصبحت متوفرة في كل المطاعم -تقريباً-، ثم قام بتقديم ميزة تنافسية، مثلاً بتخفيض النسبة الضخمة التي تأخذها تطبيقات التوصيل التي تتراوح من 20-35% من كل عملية توصيل الى 10-15% مثلاً!
هل انتهت كل المشاكل السخيفة التي يمكن حلها وتطويرها كثيراً بنظام “ERP” معتاد ؟؟!
لا فأغلب الشركات التي تمتلك نظام “ERP” لا تستخدمه بالشكل الصحيح او لا تستغل كامل قدراته، والسبب أنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك أصلاً.
نعم المشاكل السخيفة والتي لها حلول سهلة موجودة في كل مكان، ولكن لا أحد أهتم بحلها مثل ما فعلت “Foodics” أو “Uber” أو غيرها من المشاريع الجديدة والتي كان يمكن أن تكون موجودة منذ سنين طويلة، فهي لم تستخدم تقنية جديدة لتطوير تطبيقاتها او قامت بإيجاد حل تقني يمَكّنها من أن تنشئ مشروع عظيم.
لكننا لازلنا في مشكلة الإبداع التقني وحل المشاكل المعقدة!
لو أرادت شركة “Foodics” أن تنشئ التطبيق فعلاً، هل سيكون توفير موظفي التوصيل سهلاً للتطبيق الجديد؟ وهل سيكون إقناع الناس بأن يتركوا التطبيقات القديمة و ينتقلوا إلى تطبيق جديد سهلاً ايضاً؟
لا أظن، فالأمر يتعلق كثيراً بوجود الأشخاص المناسبين للتسويق و توفر السيولة وتوفر خدمة عملاء جيدة، ويظهر لي أن فريق “Foodics’ متميز في الجانب التقني المتعلق بأنظمة الـ “EPR” وقواعد البيانات، ولهذا قرر أن يحل هذا النوع من المشاكل. وكثير من المشاريع تتوقف عند هذه النقطة ولا تتوسع، بسبب حدودها المعرفية، وقد يكون هناك أسباب أخرى مثل عدم توفر السيولة المالية للدعاية أو أنهم وقّعوا عقد مع شركات التوصيل عند استخدام الـ “APIs” الخاصة بهم يمنعهم من حق المنافسة.
ولهذا نحتاج إبداع تقني لحل هذه المشاكل، لكن كيف نوجده؟
القائمة التي في الاعلى والتقرير ذكر أكثر من عشرين مدينة لكنه لم يذكر أي مدينة عربية أو مسلمة حتى! وهذا يدل على أن نظرتنا ضيقة جداً و أيدينا بخيلة أكثر في دعم المشاريع الوطنية الجديدة والسعي فعلاً لإنجاحها، وتكوين مجتمع حيوي للمشاريع الصغيرة يمكن أن تبرز فيه شخصيات قادرة على الإبداع وإنشاء مشاريع عظيمة تشرف الوطن.
كيف نكون المجتمع المثالي للمشاريع الناشئة؟
أظن أننا كلنا نعرف الطريقة ولكن يجب أن نكون جادين في تنفيذها، فهي نفس الطريقة التي تزرع بها الأرض و تختبر بها صلاحيتها للزراعة. فيجب أن تنشر فيها البذور بعشوائية مدروسة ثم يتم رشها بالمال من دون تقصير مع مراقبتها والعناية بها ثم النظر في البذور الجيدة والتي أثمرت بمشاريع ناجحة وزيادة الاستثمار فيها، واقتناص الأعضاء الجيدين من الفرق الناجحة والفاشلة والاستثمار معهم في مشاريع أكبر.
ومن أجمل الأمثلة على هذا هو قصة فريق “PayPal Mafia” والذين كانوا سبباً في ظهور كثير من المشاريع العظيمة.