تعليق على مقالة منضجات الأعمال
حاول “مازن الضراب” بهذه المقالة أن يوجد حل لمشكلة وجود مشاريع "هشة" ولا تستحق الاهتمام، او الاستثمار في حاضنات الأعمال، لأن هذا النوع من المشاريع يتسبب في تحويل الحاضنات من احتضان المشروع الناجح حتى ينضج الى شيء يشابه مساحات العمل المشتركة التي توجد فيها المشاريع الحالمة والغير صالحة للتطبيق، وذلك لعدم وجود عوامل تصفية فعالة في اختيار المشاريع التي تستحق الاحتضان.
وإختراع الإسم الجديد «منضجات الأعمال» هو وسيلة للترويج لهذه الفكرة وجلب المستثمرين، فهو ناقم على حاضنات الأعمال المعتادة والمنتشرة والتي أخذت السُمعة بين المستثمرين بأنها وسيلة لإضاعة الأموال، أما «منضجات الأعمال» فهي فقط للمشاريع التي يعتقد فعلاً أنها مشاريع ناجحة وقابلة للتطبيق.
مازن الضراب شخصية معروفة في مجال التقنية والاستثمار منذ زمن، وكانت قناته على اليوتيوب من اوائل القنوات العربية -واظنها كانت موجودة قبل قناة عمر حسين “على الطاير”- و قابل فيها شخصيات مهمة برزت لاحقاً مثل «مشهور الدبيان» صاحب بودكاست سوالف بزنس، والذي يمكن أن يعتبر أهم بودكاست في مجال الأعمال في السعودية.
ولكن مازن لم يبرز كما كان متوقعاً منه، وابتدأ عدة مشاريع ناشئة في التجارة الإلكترونية ولكن غالبها فشل أو لم يكن بالمستوى المتوقع، حتى أنه كان يخطط لمزيد من المشاريع، ولكنه صرح أن كثير من المستثمرين سحبوا أموالهم بعد أن سمعوا عن اطلاق موقع «نون» الاماراتي بدعوى أنه سيقضي على المنافسة ويسيطر على السوق تماماً.
وهذا الأمر أدّى بالتأكيد لأن يسحب المستثمرون استثماراتهم معه ويضخوها في مشاريع أُخرى تهتم بشيء لا ينافس «نون»، وبالتأكيد وجدوا هذه المشاريع في الحاضنات، وهذه المشاريع في الغالب كانت لشباب غير "ناضجين" ولا يعرفون التقنية ولا السوق، ولكنهم يقولون الشيء الذي يحب أن يسمعه المستثمرون؛ وهو أنهم سيعملوا على إنشاء تقنيات خطيرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وستكون مشاريعهم مميزة جداً لدرجة أنها ستباع للشركات الكبرى مثل “Google” أو أنها ستصل لأبعد من ذلك وتنافس الشركات الكبرى.
وهذا الكلام يحب أن يسمعه المستثمرون، وما يحبونه أكثر هو تكريره في المجالس وادعاء أنهم استثمروا في فريق من الشباب الرائعين والذين قد يكونون هم “Google” المستقبل 😆
😅ولكن يجب أن لا نحرم المستثمرين هذا، فمن حقهم أن تكبر آمالهم مع رؤية 2030 ولكن المشكلة أن غالبهم لا يعرف كيف يختار المشاريع التي تستحق أن يستثمر فيها، فالمستثمر العادي تمر عليه ايام يتحمس فيها للاستثمار فيذهب لمسرعات الأعمال والحاضنات ويختار المشروع الذي يعجبه دون دراسه دقيقة للإمكانية التقنية او المعرفية التي يملكها الفريق لتنفيذ المشروع، لأنه لا يملك الأدوات لذلك أصلاً، وهذا أدّى لأن تذهب كثير من رؤوس الاموال الى مشاريع مكتوب عليها الفشل من البداية بدل أن تذهب لمشاريع يراها مازن «ناضجة» وفقط تحتاج لسيولة حتى يتم تطبيقها.
طبعاً تحقيق هذا الهدف صعب، فكأن هدف مازن هو إنشاء مكان كل المشاريع التي فيه ناجحة وتحتاج لمستثمر فقط يدفع فيها حتى يربح، ولكن تحت غطاء «منضجات الأعمال» التي يجب ان تحمل سمعةً بأن المشاريع التي فيها دائماً ستنجح.
في الحقيقة انا لا أختلف مع مازن في كون غالب حاضنات الأعمال في المملكة لا تملك كوادر ذات كفاءة تمكنها من تصفية المشاريع، وهذا أدّى لأن تأخذ سمعة ريادة الأعمال وسمعة المشاريع الحديثة التي يجب على المستثمر الراغب في تطوير بلده وفي الربح أن يستثمر فيها. ولكنها تضيع الفرص على المشاريع الناجحة فعلاً.
و انتقاء المشاريع ودراستها بدقة وتجهيزها للمستثمر ليس بهذه البساطة، ولكنه قابل للتطبيق، فالفريق الذي يملك خبرة كبيرة في التقنية و معرفة بالسوق يمكنه فعل هذا بسهولة، ولكن الصعوبة في أنه لماذا سيتفرغ الأشخاص ذوي الخبرة لدراسة مشاريع غيرهم ولا يركزون على مشاريعهم الشخصية؟
انتهى التعليق على المقالة.
الجواب على سؤال المهندس خالد:
أعتقد أن المبدأ الأساسي هو الفكرة، ويكفي ان يحصل المشروع ذو الفكرة الجيدة على استثمار مباشر قبل ان يطبق أي شيء منها، فهي فرصة.
ولكن في الحقيقة أن اغلب الأفكار الجميلة أصحابها لا يقدرون على تطبيقها، أو هي مجرد خيالات، ولهذا لا يمكن ان نعطي حكماً يكون قاعدةً عامة تنطبق على كل الحالات إلا بالاعتماد على عقلية المستثمر أو الصندوق الاستثماري، ونباهته التي ستتيح له ألا يفوّت الفرص التي تمر عليه، ومن أجمل الامثلة الرائعة على هذا هي الفرصة التي لم يفوّتها “Peter Thiel” عندما استثمر مع “Mark Zuckerberg”، وبمبلغ كبير جداً، مع أن المشروع لم يكن سوى فكرة ونموذجها ذلك الوقت، لذلك استحق أن يأخذ عليه “Peter Thiel” أكثر من عشرة في المئة من المشروع، ولكن المستثمر الذكي لم يفوت الفرصة خاصةً أن المبلغ بسيط بالنسبة له.
ولصعوبة تحديد إمكانية تطبيق الأفكار، جرت عادة المستثمرين أن لا يستثمروا إلا في المشاريع التي طُبّق شيء من فكرتها ولو لم يحصلوا على عوائد، فـ “Amazon” مثلاً هي في الحقيقة لم تحصل على عوائد منذ إطلاقها، وكل أعمالها تعود بخسائر باستثناء “AWS” الذي أنقذها -نسبياً-. ولكن الذي يستغربه الكثيرين، هو كيف يستثمر فيها الناس وهي تخسر باستمرار ونموذجها الربحي لا يعود بشيء؟؟!
والسبب ببساطة هو أنه تم تصنيفها كـ “Disruptive Technology”، والذي جعل الصناديق تستثمر فيها كأنها المستقبل، وصارت تحصل على دعم كبير جداً دون أن توزع أي أرباح، وصارت أسعار أسهمها ترتفع كثيراً، وإذا احتاجت الشركة لسيولة أصدرت المزيد من الأسهم وباعتها. وليست هي فقط هكذا بل “Google” و “Tesla” وشركات كثيرة غيرها لا توزع أي شيء من أرباحها على المستثمرين، ومع ذلك أسعارها في ارتفاع مستمر.
ولكن هناك مشاريع كثيرة يمكن أن توزع أرباح كبيرة منذ البداية، لذلك هي فرص والذكي هو من يقتنصها.
أيضاً حتى تتطور بلدنا، لابد من وجود مشاريع مليارية لا توزع أرباح وتخسر مثل أمازون، ويجب أن نصبر عليها حتى نتطور، فهذا النوع من المشاريع هو نفسه سيكون أفضل حاضنة ومنضجة أعمال على الإطلاق، ولكن يجب أن تكون هذه المشاريع مدعومة من الدولة أولاً، لأني لا أتوقع وجود مستثمرين في المنطقة لهم نظرة ثاقبة وبعيدة المدى تمكنهم من فهم ضرورة الاستثمار بالمليارات في شركات تخسر.
وبالتأكيد يجب أن يتم صرف هذه المليارات على مشاريع في السعودية، أفضل من أن يتم وضعها في صناديق “ماسايوشي سن”، فأبناء الوطن هم من سينفعه أكثر من الاستثمارات الخارجية والتي قد تخسر ببساطة، ولكنها ستساعد على تكوين مجتمع تعلم من الخسارة في تلك الدول ولن تساعد على تكوين المجتمع هذا هنا.