بعضٌ من مشاهداتي في المؤسسات الداعمة للمشاريع الصغيرة

ادّعاء وجود جهات تصرف بسخاء على المشاريع الناشئة وتعتني بنشوئها وتطويرها حقاً، مع عدم وجود مشاريع تقنية وطنية عظيمة وإبداعية في السوق، يدل بوضوح أن الجهات التي تدّعي أنها ترعى وتدعم المشاريع المتواجدة منذ سنوات يديرها أشخاص غير مناسبين، أو على الأقل لا يبذلون جهدهم فعلاً في دعم المشاريع الواعدة و السعي لإنجاحها و محاولة تعريف المستثمرين بها و اقناعهم بمدى جدواها بحرص شديد كأنها مشاريعهم، واعتبار نجاحها نجاحاً لهم. لكن يظهر أن التقارير تقول عكس ذلك الادّعاء، ويظهر أن رواتب الموظفين في تلك الجهات أكثر شيء يهمهم! وربما هم يرون أن رعايتهم لمشروع جديد و واعد هو فضل عظيم على المشروع، وهم لا يرون أو يشعرون أن دعمهم للمشروع فرصة عظيمة لهم يجب عدم تفويتها.

وهذا بخلاف رؤيتهم للاستثمار في الشركات الغربية المتضخمة، والتي لا تساعد على تطوير الوطن ولا على تكوين مجتمع حيوي من المطورين ورواد الأعمال الذين هم من سيطور الوطن ويضمن الأمن الاقتصادي فيه.

من داخل بعض هذه المؤسسات!

من العجائب، أنني وجدت في عدد كبير من المؤسسات المسؤولة عن دعم المشاريع الصغيرة مشاريع ليس لها خطة عمل وليس لها أهداف واضحة، وبعد الحوار مع عدد من أصحاب المشاريع، وجدت أن أهدافهم تتغير كل لحظة، واكتشفت أن السبب الذي جعلهم يعملون على إنشاء مشروع هو أنهم حضروا دورة من الدورات التي تكون أسمائها من نوع “كيف تنشئ مشروعاً ناجحاً” فقرروا بعزيمة الجبال أن يبدأوا العمل على أي مشروع كان، وأن يجعلوه ناجحاً بالغصب.

والشيء الذي يدعو للعجب حقاً هو كيف قَبِل المسؤولون في هذه المؤسسات أن يكون فيها مشاريع من هذا النوع؟ هل هم ملزمين بأن يقدموا الخدمات لعدد معين مثلاً؟ أو يريدون إظهار أنهم يعملون فعلاً على دعم المشاريع؟! أو أنهم لا يعرفون أصلاً كيف يقيمون المشاريع الصغيرة و يفهموا نماذج أعمالها؟ ويعرفوا جدواها و جدية أصحابها؟


من أنواع المشاريع التي وجدتها، هي مشاريع مصممة لأن تأخذ الاستثمارات من خلال سمعتها عبر إضافة أسماء لشخصيات شهيرة في الوثائق التي يقدمونها للمستثمرين، كأنهم أعضاء في المشروع بخطة تكتيكية للفشل، وادعاء أنهم قاموا بالصرف على تطوير المشروع ثم فشل بـ”الصدفة”، وهم الآن ليست عليهم أي مسؤولية فقد فشل المشروع وانتهى مبلغ الاستثمار. فسألت صاحب المشروع ماذا ستفعل إذا رفع المستثمرون عليك قضية، فقال ببساطة سأهرب من البلد! .. وأظنه في الحقيقة يخطط لأن يفعل ذلك قبل أن يكتشفه المستثمرون أصلاً 😆

ونوعٌ آخر كان مشروعاً متعلقاً بإنشاء ألعاب الكمبيوتر، كان أصحابه لا يعرفون أسماء أشهر وأهم برامج تصميم الألعاب وكانوا يستخدمون برنامجاً قديماً جداً ولا يصلح لإنشاء ألعاب عصرية يمكن أن تنافس في السوق، فلمّا أخبرتُهم عن البرامج الجديدة وإمكانياتها، قالوا لي أن هذه البرامج صعبة جداً وتحتاج قدرات برمجية عالية، وأنهم لا يعرفون كيف يستخدمونها، وأن هذا النوع من الألعاب هو الذي يعجبهم، وأنهم ينشؤون الألعاب لحبهم لها لا لأن يشتريها الناس. فسألتهم عن الألعاب التي يلعبونها في البيت؟ فعرفت أنهم يلعبون الألعاب العصرية التي بنيت بنفس البرامج التي لا يعرفونها، فسألتهم كم حجم الاستثمار الذي حصلوا عليه؟ فقالوا إنه تجاوز الـ150 ألف ريال! وسألتهم عن مصدره؟ فأخبروني أنه من مستثمر التقى بهم في المؤسسة. -أنا أتوقع أن الاستثمار الذي حصلوا عليه كان من عوائلهم، فلا يوجد عاقل يستثمر معهم- وبعد فترة من مقابلتهم، وجدت نفس الألعاب تباع على موقع “Fiverr.com” بأقل من “50$” مع امكانية وضع شعار الفريق عليها ونشرها في “Google Play” و الـ “App Store” بشكل رسمي😆😆😆

العشوائية!

ومن الأشياء التي تظهر لك مدى عشوائية هذه المؤسسات، أنك تجد بعضها تحول إلى مكان للمواعدات والمغازلات وتجد فيه بناتٍ بأعينٍ قوية جداً! وهم من يتميلح على الرجال. وإذا سألت عن مشروع احداهنّ، تعلم بلا مجال للشك أنه هو أعظم مشروع يحتاجه الوطن -تهكم- ولولاه لضاع الوطن كله مع شديد الأسف، وأكثر سؤال يتبادر إلى الذهن بعد أن تعرف نموذج عمل المشروع هو: هل تخرجت هذه الفتاة من الإبتدائية أم لا؟!


وأكثر العجائب هم أصحاب المشاريع الذين يعتقدون أنهم يملكون أفكار لم يفكر فيها أحد، ومشروعهم هو “Cafe” فقط! ويتحدثون إليك كأنهم يملكون سراً عظيماً هو إكسير النجاح ولا يريدون إخبارك به، وليس كأن مشروعهم يحتاج لخبرتهم الخاصة وفهمهم المميز الذي كوّنوه من خلال دراستهم العميقة للمشروع.


وكثير من هذه المؤسسات تجد أنهم لا يشعرون فعلاً أن المشاريع العظيمة تحتاج أحياناً إلى دوام 24 ساعة وسبعة أيام في الأسبوع، ولم يجهزوا أماكنهم لذلك. كأن أماكنهم مجهزة للتمشية والمتعة في وقت محدد من اليوم والأسبوع! والأغرب أنك تجد في أماكنهم ضوضاء صوتية في كثير من الأوقات، واذا اعترض أحد أصحاب المشاريع على الإزعاج أشعروه أنهم متفضلون عليه بأن وفّروا له المكان! وكأنهم سيطردونه! فيخاف ويسكت😂

هذه العقلية في التعامل مع المشاريع الواعدة والمتميزة، هي السبب وراء عدم وجودنا في قائمة الدول التي تدعم المشاريع الناشئة بالتأكيد.

المستثمرين البخلاء والطماعين!